فجر ديفيد إيغناتيوس من صحيفة "واشنطن بوست" قنبلة الشهر الماضي، حين أشار إلى مصادر لم يحددها تدعي أن تركيا "كشفت إلى الاستخبارات الإيرانية هوية نحو عشرة إيرانيين يلتقون داخل تركيا مع ضباط الموساد المسؤولين عنهم".
تذكر بعض التقارير أن المسؤولين الأميركيين اعتبروا كشف هذه المعلومات "خسارة استخباراتية مؤسفة"، لكن هذه العبارة تقلل من خطورة هذه الخطوة. يصف جون شيندلر، مسؤول سابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، تأثير هذه الخطوة بـ"المدمر"، ويضيف موضحاً: "ضاعت سنوات من التجسس الإسرائيلي".
لا يخفى على أحد أن تركيا خلال عهد رجب طيب أردوغان لا تكن الحب لإسرائيل، خصوصاً بعد تصادم الجنود الإسرائيليين مع ناشطين أتراك كانوا يحاولون فك الحصار عن قطاع غزة عام 2010، لكن هل يُعقل أن يساعد حليف لحلف شمال الأطلسي إيران في الاقتراب من تطوير سلاح نووي لإغاظة أحد خصومه فحسب؟
تقدم تركيا على الأرجح دعماً للتقدم الإيراني أكبر مما اعتقدنا سابقاً.
في عام 2012، أشارت تقارير صحافية إلى أن "بنك هالك"، مصرف تملكه الدولة التركية، كان يعقد صفقات "غاز مقابل ذهب" مع إيران، ما ساعد طهران في التحايل على العقوبات المصممة لوقف برنامجها النووي.
أشارت وكالة "رويترز" إلى أن تركيا اشترت الغاز الطبيعي الإيراني بالليرة التركية وحولت الأرباح إلى حسابات في "بنك هالك"، ثم سحب تجار الذهب الإيرانيون تلك الأموال وابتاعوا بها ذهبا شُحن إلى دبي حيث بيع.
يعاني الإيرانيون الرازحون تحت وطأة العقوبات نقصاً كبيراً في المال النقدي، ويساهم الذهب في سد هذا النقص.
في تلك الفترة، أقر نائب رئيس الوزراء التركي علي باباجان بدون أي خجل بأن "صادرات الذهب التركي [إلى إيران] تتحول إلى دفعات لشراء الغاز الطبيعي"، وما كان من سبب يدفعه إلى إخفاء هذا الواقع، فقد اعتُبرت صفقات الذهب قانونية من الناحية التقنية. إلا أنها شكلت تحايلاً ماهراً استغل ثغرة في نظام العقوبات، فقد استخدم الإيرانيون تجاراً من القطاع الخاص لشراء الذهب نيابة عن الحكومة الإيرانية.
في شهر يناير عام 2013، عملت إدارة أوباما على سد تلك الثغرة، فارضة حظراً على كل عمليات بيع الذهب إلى إيران، لكن الغريب أن الإدارة الأميركية لم تضع تلك العقوبات قيد التنفيذ في الحال، بل أُرجئ تطبيق الحظر ستة أشهر ليصبح ساري المفعول في 1 يوليو 2013، ما منح تركيا وإيران فرصة تمرير بعض الصفقات الأخيرة. تؤكد كل التقارير أيضاً أن هذه الصفقات كانت كبيرة، وتذكر الصحيفة التركية "حريات" أن تصدير تركيا الذهب إلى إيران تضاعف خلال شهر مارس ليبلغ 381 مليون دولار تقريباً، كذلك أفادت محطة Press TV الحكومية الإيرانية في شهر أبريل الماضي أن تركيا وإيران وقعتا صفقة ذهب بقيمة 120 مليون دولار، ويقدر تقرير صدر في شهر مايو عن منظمة الدفاع عن الديمقراطيات و"مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي" أن "ثغرة إيران الذهبية" عادت عليها بأرباح تصل إلى 6 مليارات دولار تقريبا منذ 30 يوليو عام 2012.
في المقابل، أسست إيران في السنوات الأخيرة عدداً من الشركات الإيرانية على الأراضي التركية، وتساعدها هذه الشركات في التحايل على العقوبات والحصول على المواد الضرورية لبرنامجها النووي.
منذ نوفمبر عام 2012، تعمل أكثر من 2100 شركة إيرانية في تركيا. صحيح أن لا علاقة لمعظمها على الأرجح بالأسلحة النووية أو التحايل على العقوبات، ولكن نشأت بعض الحالات المثيرة للقلق. على سبيل المثال، تبين في عام 2011 أن رجل أعمال إيرانياً كان يعمل مع شركتين تركيتين للحصول على قطع لبرنامج الصواريخ الإيراني، وفي السنة التالية، اكتُشفت شبكة توريد ألمانية تستخدم شركة تركية كواجهة لتنقل مواد إلى المفاعل النووي الإيراني في مدينة آراك. وفي شهر مارس عام 2013، اكتُشفت شبكة توريد إيرانية أخرى في ألمانيا تستخدم شركات تركية كواجهة.
تبين من كل ذلك أن تركيا لا تملك آلية تحقيق لتمنع نشاطات مماثلة، لكن غياب القلق التركي حيال تأثير هذه الشركات في برنامج إيران النووي لا يبدو منطقياً.
على سبيل المثال، يُشير عرض أُعد على برنامج "باور بوينت" عام 2010، ونُسب إلى وزير الخارجية التركي، إلى أن موقف "موقف تركيا من برنامج إيران النووي يستند إلى مبدأ راسخ: يجب ألا تملك إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة أسلحة نووية أو تسعى للحصول عليها". وفي سبتمبر عام 2011، أعلنت تركيا دعمها لخطط حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإقامة درع مضادة للصواريخ الباليستية هدفها التصدي لإيران، كذلك اتخذت أنقرة موقفاً راسخاً مناهضاً لإيران (هذا إذا أردنا وصف هذا الموقف بعبارة لطيفة)، عندما اندلعت الحرب الأهلية في سورية عام 2012.
ولكن هل تبدل الموقف التركي؟ عندما انتشرت أخبار خطة الغاز مقابل الذهب، أصدر مكتب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تصريحاً نُسب إلى أردوغان جاء فيه أن "تركيا دعمت دوماً وبوضوح المواقف النووية لجمهورية إيران الإسلامية، وستواصل التمسك بالسياسة ذاتها بثبات في المستقبل".
من الممكن أيضا أن يكون حقان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات التركي، السبب وراء هذا التبدل، فعندما استلم فيدان منصبه عام 2010، ذكرت الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس" أن الموساد الإسرائيلي يعتقد أن فيدان مقرب جداً من إيران، كذلك وصف وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فيدان، الذي شارك في وفد تركي واحد على الأقل إلى طهران في مارس عام 2012، بأنه "صديق إيران". وحذر من الأسرار التي تتشاركها إسرائيل مع تركيا "قد تُنقل إلى إيران" بسبب فيدان، ومنذ ذلك الحين، انتقد ضباط الاستخبارات الإسرائيليين، حسبما يُقال، فيدان أمام نظرائهم الأميركيين، معتبرين إياه "رئيس مكتب الاستخبارات الإيرانية في أنقرة". لا شك أن هذا أثار الكثير من التساؤلات حيال أسباب اعتماد الإسرائيليين على فيدان والاستخبارات التركية. يذكر راول مارك غيريشت، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عمل في تركيا: "أعتقد أن الإسرائيليين كانوا متهورين بعض الشيء في طرق التجسس التي اعتمدوها لسنوات في تركيا، فبدوا غير مستعدين لتأمين غطاء غير رسمي لهذه العمليات... وإذا صح ذلك، فسيعاني الموساد أضراراً بالغة بسبب أساليبه هذه".
بغض النظر عما إذا كان السبب تخاذل الإسرائيليين أم لا، يبدو أن تركيا تعمدت إحراق الإسرائيليين، والأهم من ذلك أن هذه المشكلة عادت بالفائدة على برنامج إيران النووي. وكما تشير التقارير، لا تُعتبر هذه المرة الأولى التي يقدم فيها الأتراك الدعم للإيرانيين فيما يمضون قدماً نحو تطوير القنبلة.
هل تدعم تركيا إيران في برنامجها النووي؟
٥ نوفمبر ٢٠١٣
https://schanzer.pundicity.com/14006/
المصنف الإنجليزي الأصلي: Is Turkey Abetting Iran?
فئة المقالة: Turkey receive the latest by email: subscribe to jonathan schanzer's free mailing list