اتهم عبدالله الثني، رئيس الوزراء الليبي المعترف به دولياً، الشهر الماضي، تركيا بإرسال أسلحة لمنافسيه من الإسلاميين الذين استولوا على العاصمة الليبية، طرابلس، العام الماضي. "إن تركيا بلدٌ لا يتعامل بصدقٍ معنا،" هكذا قال للتلفزيون المصري. "إنها تصدر أسلحة لنا يقتل بها الليبيون بعضهم البعض."
وليست هذه الاتهامات جديدة. ففي كانون الثاني، ادعى المتحدث باسم البرلمان الليبي أن "تركيا لا تزال تدعم المليشيات الإرهابية في ليبيا." وفي كانون الأول، ادعى ناشطٌ بارزٌ مستقر ببنغازي أن 'أنصار الشريعة' في ليبيا، أحد الفصائل الموالية للقاعدة والتي قامت بأعمال عنفٍ ضد الحكومة الليبية المعترف بها، ممولةٌ جزئياً من قبل "رجال أعمالٍ تربطهم علاقاتٌ تجارية بتركيا." وقبل أسبوعين، ادعى القائم بأعمال وزير الداخلية بالحكومة المحاصرة في طبرق أن الطائرات التركية والقطرية تحلق فوق (وتنطلق من) قاعدة معيتيقة الجوية، التي يسيطر عليها تحالف فجر ليبيا المعارض، مما يشير إلى "دعمٍ واضحٍ وصريحٍ" للإرهاب في ليبيا.
ودائماً ما توصف الحرب الليبية الأهلية، التي اشتعلت بعد سقوط القذافي، بأنها حربٌ بالوكالة، فمن جانبٍ، تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة الثني والحكومة المعترف بها رسمياً في طبرق، ومن جانبٍ آخر تدعم قطر وتركيا الإسلاميين والفصائل المعارضة الأخرى. ولم تحاول تركيا إخفاء دعمها لإسلاميي البلاد بعد سقوط القذافي في 2011، وتتواصل علناً مع الحكومة الإسلامية التي أعلنت عن نفسها في طرابلس. إلا أن المبعوث التركي في ليبيا يصف ما سبق من مزاعمٍ بأنها "حملة تشويهٍ خطيرة."
ورغم غياب الأدلة الدامغة، فقد بدأت التقارير المتعلقة بالدور التركي المتنامي في الصراع في الظهور منذ كانون الثاني 2013، عندما أوردت صحيفة 'حرية' التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي كانون الأول من ذلك العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضاً أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا ويُعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية.
وفي العام التالي، آب 2014، ورد أن القائد العسكري لعملية الكرامة المؤيدة لحكومة طبرق، خليفة حفتر، أمر قواته بقصف سفينة متجهة إلى ميناء درنة الليبي ومحملة بأسلحةٍ قادمة من تركيا. وبعد ثلاثة أشهرٍ، في تشرين الثاني 2014، ذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشينكوف (AK-47) على متن سفينة متجهة من أوكرانيا إلى ليبيا. وقال الربان التركي أن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، ولكن السلطات الليبية قالت أن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أنها كانت متجهة إلى ليبيا.
وفي الشهر التالي، وفقاً لتقريرٍ أعدته الصحافة اللبنانية، اعترضت السلطات الليبية باخرةً كورية كانت في طريقها إلى مدينة مصراتة الساحلية المحاصرة، وذكر التقرير أنها كانت منطلقةً من تركيا. وكانت السفينة محملةً بحاويات الأسلحة والذخائر التي يُقال أنها كانت موجهةً للميليشيات الإسلامية.
وربما يقع الطريق الآخر لمرور الأسلحة التركية في جنوب شرقي ليبيا. ففي كانون الثاني، ادعى مسؤول بالجيش الليبي أن كلاً من تركيا وقطر كانا يزودان عملية فجر ليبيا بالأسلحة عبر السودان، التي طالما كانت نقطة عبورٍ للأسلحة الإيرانية للجماعات المتطرفة بالشرق الأوسط. والمثير للاهتمام أنه عندما حظرت الحكومة الطائرات التركية من استخدام المجال الجوي الليبي في كانون الثاني الماضي، أعلنت أيضاً أن الطائرات السودانية لم يعد مسموحاً لها بالمرور.
وسواءاً عن طريق البر أو البحر، يمثل أي إرسالٍ لمساعدات قتالية انتهاكاً مباشراً لحظر الأمم المتحدة على الأسلحة. وأوضح تقريرٌ صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة أن تركيا كانت إحدى عشر دول – منها بيلاروسيا واليونان والمجر وأوكرانيا – تورطت في إرسال أطنانٍ من الذخيرة للفصائل الليبية المتناحرة رغم الحظر. وأشار التقرير إلى أن خرق الحظر لا يهدد الأمن الليبي فقط، وإنما يمثل أيضاً "تحدياً أمنياً كبيراً لدول المنطقة الأخرى، لاسيما من منظور الإرهاب."
وفي هذه الأثناء، يبدو أن تركيا توفر ملجأً لجهاديي ليبيا. ففي كانون الثاني، أكّدت 'أنصار الشريعة'، إحدى الميليشيات الليبية الإسلامية، مصرع قائدها، محمد الزهوي، بمستشفى تركية، حيث كان يتلقى علاجاً لـ "إصابةٍ لحقت به في معارك بنغازي." وأرسلت تركيا جسده ليدفن في مصراتة.
ورغم أن ما لدينا لا يزال صورةً جزئيةً فقط حول ما يبدو أنه دعم تركي مادي لإسلاميي ليبيا، فقد قال اثنان من مسؤولي الحكومة الأمريكية لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن الأمر يعد مصدر قلقٍ حقيقي. ويشير أحد المسؤولين السابقين إلى أن المساعدات التركية العسكرية للفصائل الإسلامية كانت ببساطة "مفترضة."
ومهما يكون الذي تقوم به تركيا، فإنها أدخلت حكومة طبرق في حالة تأهبٍ قصوى. وفي كانون الثاني، حذّرت القوات الليبية الجوية من أنها ستهاجم أي طائراتٍ تركية تدخل المجال الجوي الليبي. ومؤخراً، أعلنت الحكومة الليبية أنها سوف "تستبعد الشركات التركية من العمل في ليبيا." وكي نضع هذا الإجراء العقابي في حجمه الحقيقي، يجب أن ندرك أن حجم العلاقات التجارية الثنائية بين تركيا وليبيا في 2014 قُدِّر بـ 2,3 مليار دولار.
وإذا كانت تركيا تدعم جهاديي ليبيا، فإن ذلك ليس غريباً على التوجه التركي الخطير في دعم الأطراف المتطرفة في المنطقة. وبعد مساعدتها لإيران في التهرب من العقوبات والسماح لحماس بإنشاء مقرٍ في تركيا وتبني سياسة حدودٍ متساهلة استغلها تنظيم الدولة الإسلامية، على تركيا الآن أن توضح المزيد من الأمور.